الطفولة في لبنان منتَهكة، الطفولة في لبنان مغتصبة، مغتالة، ولهذا الاغتيال أوجه عديدة، تكاد لا تبدأ بالعنف والتحرّش، ولا تنتهي بتشغيل الأطفال، خصوصاً، تلك الأعمال المنهِكة، التي تهدّ قواهم، وتتهدّد صحتهم، و... تقضم أحلامهم.
ثمّة أطفال في لبنان يعملون في الزراعة، لا بالمعنى الإيجابي نظراً إلى جمالية العمل في الزراعة، بل إنّهم يُشّغلون في «العتالة»، في القطاف الخطير، خصوصاً من الأشجار المرتفعة.
ثمّة أطفال في لبنان يعملون في المصانع، في تصليح الدواليب، في التسوّل بين السيارات وعلى الطرق.
أما نحن، دولة ومواطنين، ماذا نفعل حيال هذه الجرائم؟ جلّ ما نفعله التعاطف، التضامن، الاستنكار والشجب، وإبرام الاتفاقيات، والتصديق على الشِرع الدولية، وسَنّ القوانين، وإصدار المراسيم، أمّا التنفيذ.. فيؤجّل إلى أجلٍ تحدّده الخلافات السياسية، والمهاترات الإعلامية، وانتخابات وتشكيل حكومات.. فيما الطفولة في لبنان... تغتال.
من هنا، كان للإعلام دور بارز في تصويب الأمور، وجعل قضية الطفولة أولوية وطنية، وذلك من خلال الجهود التي على الإعلام أن يبذلها في تحقيق العدل للأطفال، في زمنٍ يحتلّ فيه الفنّ والسياسة الهابطان.. أولويةً إعلامية، بينما قضايا الشعب، من مسنّين ونساء وأطفال أمر ثانويّ.
ولكي يضطلع الإعلام بدوره الكبير والأساسيّ، نظّمت «منظمة العمل الدولية»، بالتعاون مع وزارة العمل، ووحدة مكافحة عمل الأطفال فيها، ورشة عمل حول «أهمية مشاركة وسائل الإعلام في نشر الوعي للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في لبنان»، وذلك في «فندق تامار روتانا» أمس، برعاية وزير العمل سليم جريصاتي ممثلاً بمدير عام الوزارة بالإنابة عبد الله رزّوق، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، نائب المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية فرانك هاغمان، ومستشارته الدكتورة حياة عسيران، إضافة إلى رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل نزهة شليطا، والخبير الإعلامي عصام عازوري.
حضر الورشة أيضاً ممثلون عن مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، إضافة إلى ممثلين عن أصحاب العمل والعمّال، كونهما شريكان أساسيان في قضايا عمل الأطفال.
رزّوق
بدايةً، كان النشيد الوطني، فكلمة لشليطا التي رحّبت بالحضور، وقدّمت المتحدثين في حفل افتتاح الورشة.
ثم ألقى رزّوق كلمة جريصاتي، وجاء فيها: «أطفالنا هم محطّ الاهتمام في عملنا اليومي والمركّز من منطلق أن طفل اليوم هو حدث الغد ورجل المستقبل، وأن مسيرة حياته تبدأ من احترام سنّه وخصوصيته وطراوة عوده وشعوره. إن وزارة العمل تولي هذه القضية أولوية على ما أسلفت، وتجسد ذلك بوضع قوانين العمل ذات الصلة وإخضاعها للتعديل كي تتوافق مع اتفاقيات العمل الدولية والعربية بدءاً من اتفاقية حقوق الطفل إلى اتفاقيتي العمل الدوليتين رقم 138 المتعلقة بتحديد الحدّ الادنى للاستخدام، ورقم 182 التي تحظّر أسوأ أشكال عمل الأطفال».
وتابع : «التزاماً بذلك لجأت وزارة العمل إلى إصدار المرسوم رقم 8987 تاريخ 29/12/2012 الذي حظّر استخدام الأحداث قبل بلوغهم سنّ الثامنة عشرة، لا سيما في الأعمال التي تشكّل خطراً على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي».
هاغمان
ثم تحدّث هاغمان الذي لفت إلى «وجود 218 مليون طفل يعملون في ظروف سيئة في العالم من بينهم 126 مليون يعملون في ظروف خطيرة، في الوقت الذي يجب أن يكونوا في مدارسهم»، مشيراً إلى أنّ «هذه الأرقام الكبيرة تراجعت بفضل الاستثمارات التي قامت بها بعض البلدان في معالجة الفقر وإعادة تأهيل الأطفال».
وقال: «لقد أُطلق البرنامج الدولي لمكافحة عمل الأطفال في لبنان، لكن هذا العمل للأطفال ما زال واقعاً وهناك ارتفاع في نسبة الأطفال الذين يعملون من دون أن يكون لدينا أرقام محدّدة»، مشدّداً على «وجوب تكثيف العمل للقضاء على هذه الآفة، نحن بحاجة إلى وسائل الإعلام التي هي شريك أساسيّ ومساعد في تسليط الضوء على هذه المشكلة للقضاء على هذه الآفة، كما أنّها من الممكن أن تبيّن أسبابها»، مشيراً إلى أنّ «منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل قرّرت إنشاء منبر للأطفال العاملين للتعبير عن مشاعرهم وأحلامهم».
غصن
من ناحيته، ألقى غصن كلمة تحدّث فيها عن «الأسباب التي تؤدّي إلى عمل الأطفال وفي مقدّمها الفقر والاستغلال، إذ إنّ الفقر هو الذي يولّد الحاجة، والحاجة هي التي تدفع إلى الاستغلال». وتناول دور منظمة العمل الدولية في مكافحة عمل الأطفال وكذلك دور لبنان أيضاً، لا سيما وزارة العمل والاتحاد العمالي العام.
وقال: «صحيح، لم نستطع القضاء على عمل الأطفال، غير أننا تقدّمنا خطوات كبيرة في هذا المجال. هذا البرنامج لا يمكن أن ينجز إلا من خلال تكامل عمل الوزارات والتعاون مع أصحاب العمل للتصدّي لهذه الظاهرة»، مركّزاً على دور وسائل الإعلام في الإضاءة على هذا الموضوع».
نقاشات وتوصيات
بعد استراحة قصيرة، عقدت حلقة مناقشة تناولت السبل الآيلة إلى معالجة آفة عمل الأطفال، وعرض عازوري لقطات مصوّرة تظهر عدداً من الأطفال يعملون في بعض البلدان في أجواء خطيرة. وكانت له مداخلات حول دور الإعلام في نشر الوعي للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، والخطوات المقترحة من قبل المشاركين للتعبئة الإعلامية. وجرى نقاش مفتوح تخلّله أسئلة من قبل الإعلاميين من ضمن المواضيع والمحاور التي طرحت، ثم توزّعوا إلى مجموعتين، درست كلّ مجموعة جملة من المقترحات لتحقيق الأهداف المنشودة، فأجمع المشاركون على ضرورة تنظيم تحقيقات صحافية متواصلة حول عمل الأطفال، إضافةً إلى ضرورة حثّ الوزارات والجمعيات الأهلية والبلديات على تنظيم ندوات توعوية حول هذه الآفة، وإشراك المكتبات العامة في ذلك، كما علّقوا الآمال على الحملات الإعلانية التي يقع عليها تذكير المواطنين بحقوق الطفل، لا سيما في ما يتعلق بالأعمال الخطيرة.
أحمد طيّ