ممدداً على الأرض، حاملاً هموماً كحمل الجبال، يحاول إصلاح عطل في عالم كله خراب، أحد عشر عاماً قضاها على الأرض كانت كافية لتلقينه دروساً تفوق عمره الصغير، هو واحد من آلاف قسى عليهم الدهر فآلمهم حتى عجز صوتهم عن الصراخ، ذنبه الوحيد أنه لاجئ، هو عمر الذي روى بعينيه قصة عنوانها الصمود والكبرياء.
عاش الحرب السورية خمس سنوات قبل أن يتمكن وعائلته من الهرب من ريف حلب الى لبنان، شاهدَ الموت بعينيه حتى حط قدميه قبل شهر في بلاد الأرز، كان يعتقد أن بعد كل ذلك العناء سيعيش بأمان، لكن، ويا للأسف، ما زال طفلاً لا يدرك أنه في زمن ليس للفقراء فيه نصيب من الراحة والهناء وأن عليهم العمل لساعات لتأمين فتات يومهم من الخبز لا من السمك والكافيار.
مجبر لا بطل
في الطريق الجديدة في بيروت يعمل عمر في كهرباء وميكانيك السيارات، ست أيام في الاسبوع مقابل 30 الف ليرة لبنانية، أي أقل من مئة دولار شهرياً. حُرم من الدراسة والثياب النظيفة واللعب على "البليستايشن" والكمبيوتر، لأنه ولد في عائلة فقيرة وعليه المساعدة في تأمين لقمة عيش أشقائه الستة، كيف لا وهو كبيرهم الذي عليه أن يتحمل ما جناه والده عليهم من فقر وعوز. يقول لـ"النهار" بخجل "ليس في اليد حيلة وكما يقول المثل مجبر لا بطل، والدي يعمل سائق سيارة أجرة، ما يجنيه لا يكفي ايجار المنزل الذي نسكنه في شارع الجزار، لذلك طلب مني العمل".
أقصى أحلام عمر أن يحمل حقيبة مدرسية ويتوجه كغيره من الاطفال الى المدرسة، لكن كي يوجعه الزمن أكثر كتب له أن يكون مكان عمله في شارع يضم أربع مدارس، "أراقب التلاميذ بغصة وكل حلمي أن أكون زميلاً لهم، أن أرتدي زياً مثلهم وأمسك قلماً بيد نظيفة لا ملوثة بزيوت السيارات".